samedi 22 juin 2013

الفنان نزار قريش تجربة إبداعية ذات عمق حضاري



لعل الفن العصري يختزل كلمة إبداع في تقنية الصباغة وتوزيع للمكان وضبظ وإتقان للألوان، إما تعبيرا عما يخالج النفس أو نقلا لمظاهر الطبيعة وحياة الناس من خلال العمران وجمال العمارة وتوزيع الشوارع. لكن الفن يبقى قاصرا ومقصرا إن لم يبدع الفنان ويسافر المبدع في بحثه عن الحقيقة الكبرى علاقة الإنسان بخالقه ووضعه الوجودي ومصيره بعد نهاية الحياة.
في أسلوب الفنان الشاب الصاعد قريش نزار نستكشف لمسات شعرية لريشة فنان محملة بالألوان ومعبرة عن عمق جمال الحياة والضوء الذي يتخلل فضاء اللوحة من كل الجوانب حتى يكاد يغمر كل المكان ولا نكاد نعثر على البقع المضللة. والفنان لا يزال في رحلته الإبداعية في بحث عن الأسلوب والشكل واللون، فالشكل إن بدا للعين المشاهدة مستقرا وممتدا آخذا أشكالا هندسية من واقع الحياة، فهو يختفي حينا ليصبح حركات منجذبة ومندفعة بقوة وكأنها في رحلة البحث عن الشكل المنفلت في جانب من جوانب اللوحة. وأحيانا أخرى تأخذ الأشكال والألوان نمطا متناسقا ومنسجما يعبر عن روح مفكرة ذاكرة ومتفكرة في آلاء الله وجمال مخلوقاته ورونق الحياة الإيمانية. فلوحاته المعنونة بتركيبة تعطي انطباعا متميزا بانسجام اللون وهدوء الحركة وتباث الشكل، بينما في لوحاته مثل القصبة فإن الألوان فيها صاخبة ودافئة والحركة مندفعة وكأننا في وسط النهار حيث حركة الناس الدائبة وحرارة الشمس المحرقة، حتى لا نكاد نعثر على الظل.
  لا نقدر أن نجد في تجربة الفنان الشاب نزار قريش على أسلوب ونمط قد تبناه، فهو لا يزال في طور البحث وتأسيس الإمكانيات التقنية والفلسفة الجمالية التي من خلالها يجد نفسه. وتعلن تجربة الفنان وهي في بداياتها الأولى جد همهة في حياته الإبداعية لأنه بصدد تطوير بناء ذاته المبدعة وتقعيد نمط فني متميز، وهي تجربة تتمخض من عمق ذاته معلنة إرادتها الجامحة للانطلاق بقوة في مجال الإبداع محاولة أن تسير على درب المدرسة المغربية ذات الأسلوب التجريدي الحديث. وتظهر التجربة الإبداعية للفنان الصاعد، ذاته وهي تبحث عن نماذج من تلك المدرسة لتحاديها وتحاكيها، تعيد وضع نفس مقاييس الجمال الإبداعي ولكنها غير قادرة على الاستقلال الفني لعدم امتزاج الفكرة بعملية الإنجاز التقنية. وإن كانت إرادة المزج بين الفكرة الخيالية التي يحمل الفنان المبدع قد تتوفق في الامتزاج مع الشكل واللون الذي يطبع فضاء اللوحة فيحاول الفنان أن يبني ذاته المبدعة وأن يؤسس أسلوبه الخاص.
  ينطلق الفنان في عالم يبدو قريبا من الواقع لكنه مجرد بالشكل لا بالفكرة، ويطغى حضور المعمار في فضاء لوحاته وهو يمثل ذاكرة وتاريخ حضارة قديمة أو يمثل قيما إنسانية تتعلق بالجانب الروحاني للإنسان في محاولة تفكيره للمطلق. يمتزج لديه حضور المطلق بالمجسد، المجرد بالمحسوس، الفكرة بالصورة، الثابت بالمتحول، ويتوفق الفنان في تبليغ الفكرة التي تظهر حينا وتختفي أخرى، ومع ذلك فهو يعطي مجالا واسعا للمشاهد لقراءات متعددة ولاستكشاف عوالم غريبة. تجد العين المشاهدة متعة كبرى في التجوال في فضاء اللوحات التي زينتها لمسات الفرشاة بشكل منسجم وبألوان توحي بالسكون والبحث في الأزمنة القديمة وفي الأمكنة العمرانية الجميلة. فالهرم الذي صوره الفنان في عدة لوحات وبتناسق وامتداد مختلف رمز للعمران القديم للحضارة المصرية، وهو عمران جميل ذا أساس عريض وارتفاع ظاهر ينتهي بقمة حادة متوجهة للسماء، والهرم شكل عمراني راق لأنه مرتفع ومتوجه في القمة للسماء حيث الأسرار الإلهية. وحتى الأشكال الرباعية التي تبدي العمران الحديث فإنها تبرز انسجاما قويا في تراتبية الألوان وتوزيع الأشكال داخل المكان بحيث تعلن رغبة حميمة لدى الفنان لتحقيق الجمالية كفكرة عميقة في ذاته لتتحقق في واقعه الذي قد اختفت فيه مواطن الجمال. نلمس في بعض أعماله حضورا محتشما للحرف العربي كرمز للذات الأصيلة وكشكل جمالي راق جدا، لكن الفنان لم يعمق بحثه في الحرف واقتصر على التلميح وكأنه يرسم معالم مستقبلية لمشروعه الفني الذي تهلل في هذه الأعمال الأولية. 
                                                                                                      

                                                                                                                    الدكتوراه سعيدة أولاد موح الصديق
                                  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire